موضوع: توجيه رسم هاء السكت في القرآن الكريم الخميس 8 يناير - 19:29
توجيه رسم هاء السكت في القرآن الكريم
تباينت آراء المفسرين والباحثين في توجيه رسم هاء السكت ويمكن تصنيفها على النحو الآتي:
1- التوجيه الصوتي:
لا يخفى أن الوقف يضعف الصوت المتحرك، لهذا زيدت الهاء بياناً لحركة الحرف في الوقف (1) ويرى إبراهيم أنيس أن الهاء امتداد التنفس عند نطق حركة الحرف الأخير في الوقف(2) وهذا يعني أن الهاء ليست ضميراً متصلاً، فليس لها محل من الإعراب، وليست جزءاً من بنية الكلمة لأنها تمثيل للصوت الناشئ عن الوقوف على الحركة.
2- التوجيه الإيقاعي:
وقع معظم الكلمات التي اشتملت على هاء السكت رؤوس آي في سياق إيقاعي تنتهي فواصله بالهاء، نحو قوله تعالى في سورة الحاقة: {يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (18) فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية (24) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (25) ولم أدر ما حسابيه (26) يا ليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني سلطانيه} [الحاقة].
فقد زيدت هاء السكت في "كتابيه، حسابيه، ماليه، سلطانيه" لتحقيق تناسب إيقاعي بينها وبين "خافية وراضية وعالية ودانية والخالية والقاضية".
وكذلك زيدت في "ما هيه" في قوله تعالى: {وما أدراك ما هيه} [القارعة 10] حفاظاً على السياق الإيقاعي، إذ سبقت بإيقاع الهاء (3).
ولا يخفى الأثر النفسي لهاء السكت في آيات سورة الحاقة فهي تشعر باتساق في الإيقاع وطلاوة الصوت وسلاسته وروعة التعبير الذي ينسكب في الأذن وكأن الهاءات موجات رخيَّة متعانقة زاخرة بالحركة والحياة تحمل إلى النفس الفرحة مرة والبشرى والحسرة والندامة أخرى (4).
3-التوجيه النحوي:
ويختص باللفظين اللذين لم يردا فواصل آي وهما "يتسنه واقتده"، فقد زيدت الهاء في اللفظ الأول في قوله تعالى: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه} [البقرة259].
فقد تكون الهاء أصلية وليست هاء سكت على اعتبار أن أصلها (سنه)، فأسكنت الهاء للجزم وهو ما يتوافق مع قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر فقد أثبتوا الهاء في الوصل ووقفوا عليها كذلك (5) ولو كانت هاء سكت لسقطت في الوصل لأن هاء السكت لبيان الحركة في الوقف أما في الوصل فإن الحركة تظهر ولا حاجة لهاء السكت. والمعنى على اعتبار أن الأصل هو (سنه): لم تمر عليه السنون التي مرت عليه فهو بحاله كما كان كأنه لم يلبث مائة سنة (6).
وزيدت في "اقتده" في قوله تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام90] ويجوز أن تكون الهاء كناية عن المصدر، والتقدير: اقتدِ الإقتداء، فقد أضمر المصدر لدلالة الفعل عليه (7) وقد قرأ ابن عامر "فبهداهم اقتدهي"، مجرورة بياء في اللفظ، ولو كانت هاء سكت ما جرَّها (.
يتبين لنا بعد استعراض الوجوه الثلاثة أن التوجيه الصوتي أكثر دقة من التوجيهين الآخرين؛ لأن الهاء ليست حرفاً أصلياً من بنية الكلمة وإنما هي تمثيل للصوت الناجم عن امتداد التنفس عند الوقف – كما تقدم -، وما يعزز رجحان التوجيه الصوتي على غيره أن التوجيه الإيقاعي لا ينسجم مع السياق الإيقاعي الكلي للسورة، فقد اشتملت سورة الحاقة على عدد من الوحدات الإيقاعية في رؤوس الآي، فإيقاع الهاء ينتهي بقوله تعالى: {هلك عني سلطانيه}، ليبدأ إيقاع ثانٍ في قوله تعالى: {فغلوه، فاسلكوه} [الحاقة 30-32] ثم تبدأ إيقاعات مختلفة متقطعة عن بعضها بعضاً حتى نهاية السورة.
كما أن التوجيه النحوي يفتقر إلى إجماع المفسرين والنحاة إذ إن احتمال أن تكون الهاء في "يتسنه واقتده" هاء سكت هو احتمال قائم تعززه بعض القراءات (9).
بقلم الدكتور: د. عمر عبد الهادي عتيق
---------------------------
(1) انظر: سيبويه: الكتاب. ج4، ص163. وابن جني: سر صناعة الإعراب. ج1، 175. و ابن يعيش، موفق الدين: شرح المفصل. ج9، ص45.
(2) انظر: إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة. ص229.
(3) انظر: ابن أحمد الفارسي، أبو علي الحسن: الحجة في علل القراءات. ج2، ص283.
(4) انظر: نعيم اليافي: قواعد تشكل النغم في موسيقى القرآن. ص11.
(5) انظر: ابن أحمد الفارسي، أبو علي الحسن: الحجة في علل القراءات. ج2، ص282.
(6) الزمخشري، جار الله: الكشاف. ص148.
(7) انظر: ابن أحمد الفارسي، أبو علي الحسن: الحجة في علل القراءات. ج2، ص283.
( انظر: الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد: معاني القرآن.ج1، ص370.