Admin Admin
المساهمات : 207 تاريخ التسجيل : 23/11/2008
| موضوع: حذف النون في القرآن الكريم الخميس 8 يناير - 19:34 | |
| حذف النون في القرآن الكريم
أولاً: حذف النون من مضارع كان المجزوم:
يبدو أن النحاة واللغويين قد أجازوا حذفها على مضض! فقد أجازوا حذفها إذا كان الفعل مضارعاً مجزوماً غير موصول بضمير, نحو: (يكنه)، وغير متبوع بساكن, نحو: قوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا} [البينة1]. ويبدو كذلك أنهم لم يجمعوا على شروط حذفها, فقد أجاز يونس حذفها مع الساكن, نحو قول الشاعر:
لَمْ يَكُ الحَقّ سِوَى أَنْ هَاجَهُ رَسْمُ دَارٍ قَدْ تَعفّـَت بالسَّرَرْ (1)
ولعل الضيق الذي أحس به النحاة واللغويون من حذفها يمثله قول ابن جني: "وحذف النون من "يكن" أقبح من حذف التنوين ونون التثنية والجمع؛ لأن النون في يكن أصل وهي لام الفعل، والتنوين والنون زائدتان, فالحذف فيهما أسهل منه في لام الفعل" (2) ويرى أبو حيان أن حذفها شاذ في القياس؛ لأنها من الكلمة نفسها ولكن كثرة الاستعمال سوَّغت حذفها (3).
وربط بعض المفسرين نون مضارع "كان" بالمساحة السياقية فقد ذهب الخطيب الإسكافي إلى أن حذف النون يعود إلى كثرة الجمل المتعلقة بالفعل الذي حذفت النون منه، لأن كثرة المتعلقات تثقل الكلمة, ففي قوله تعالى: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماماً ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} [هود17]، حذفت النون من "تك" لأنها سبقت بجمل كثيرة!، وكذلك في [مريم9،67].
وأما في قوله تعالى: {قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك رب شقياً} [مريم4] فقد ثبتت النون في "أكن"، وكذلك في {السجدة 23} (4).
ويحاول الخطيب الاسكافي أن يعلل الربط بين حذفها وكثرة المتعلقات بقوله: "فلما كانت الكثرة أحد سببي حذف النون في الأصل صارت كثرة المتعلقات أحد سببي اختيار حذفها (5).
وقد شكلت مساحة السياق المتعلق خلافاً بين بعض المفسرين فعلى الجانب الآخر يقف الغرناطي مخالفاً ما ذهب إليه الخطيب الإسكافي على الرغم من اعتماده على المساحة السياقية، فقد ذهب إلى أن حذف النون في قوله تعالى: {فلا تك في مرية منه} [هود17]، تخفيف ليناسب إيجاز الكلام المتعلق به وهو {إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون}، وكذلك الأمر في [هود109] وأما في قوله تعالى: {فلا تكن في مرية من لقائه} [السجدة23] فلم تحذف النون ليتناسب ثبوتها مع طول الكلام المتعلق به؛ فنوسب الإيجاز بالإيجاز والطول بالطول (6).
ولا نملك إزاء هذا التوجيه سبباً واحداً يدعونا للأخذ به، فما ذهب إليه الخطيب الإسكافي والغرناطي من بعده هو تصور يفتقر إلى مقومات الربط الموضوعي بين حذف النون ومساحة السياق، ولا نتصور وجود رابط بين مساحة السياق وحذف حرف من الكلمة, كما أن صوت النون لا يتصف بملامح الثقل أو الصعوبة, كما أن الثقل وصعوبة النطق ينجمان عن بنية الكلمة نفسها وليس من وقوع الكلمة في السياق.
وسعى المراكشي إلى تقعيد حذف النون من مضارع "كان" المجزوم فنص على أن النون تحذف "تنبيهاً على صغر مبدأ الشيء وحقارته، وأن منه ينشأ ويزيد إلى ما لا يحيط بعلمه إلا الله (7) وهذه القاعدة التي ارتضاها المراكشي قد تتوافق مع سياق بعض المواضع, نحو قوله تعالى: {ألم يك نطفة} [القيامة37]، فقد حذفت النون "تبنيهاً على مهانة مبتدأ الإنسان وصغر قدره بحسب ما يدرك هو من نفسه, ثم يترقى في أطوار التكوين...( وكذلك قوله تعالى: {وإن تك حسنة} [النساء40] "حذفت النون تنبيهاً على أنها إن كانت صغيرة المقدار.... فإن إليه ترتيبها وتضاعيفها (9).
ولكن المواضع الأخرى التي ساقها المراكشي للتدليل على قاعدته تحوي قدراً كبيراً من التكلف والمبالغة؛ وبخاصة تفسيره للحذف في قوله تعالى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم} [غافر85]، فكيف يمكن التوفيق بين قول المراكشي "انتفى عن إيمانهم مبدأ الانتفاع وأقله؛ فانتفى أصله (10) ومضمون القاعدة التي نص عليها؟! وكذلك توجيهه لحذف النون في قوله تعالى: {أولم تك تأتيكم رسلكم} [غافر50]، لا يبعث على القبول أو الارتياح.
ويبدو أن "القاعدة" كانت تتشكل في ذهن المراكشي من ومضات دلالية من بعض المواضع، ولكنه أقحم هذه الومضات الدلالية على مواضع أخرى لا صلة لها بالمواضع الأولى، فجاءت أقواله مناسبة في مواضع ومستهجنة في مواضع أخرى.
ويتكئ فاضل السامرائي على المقابلة بين سياقين دلاليين في توجيه الحذف والثبوت. ففي قوله تعالى: {ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون} [النحل127]، حذفت النون من "تك" لأن الآية نزلت حين مثل المشركون بالمسلمين يوم أحد؛ فحذفها إشارة إلى ضرورة حذف الضيق من النفس أصلاً.. وتخفيف الفعل بالحذف إشارة إلى تخفيف الأمر وتهوينه على النفس. وثبتت في قوله تعالى: {ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون} [النمل70] لأن الآية في سياق المحاجَّة في المعاد وهو مالا يحتاج إلى حذف النون (11).
وعلى الرغم من أن الآيتين تختلفان في المناسبة إلا أن المستوى النفسي للسياقين واحد، فكلاهما يشتمل على الحذف والضيق اللذين أحس بهما الرسول عليه الصلاة والسلام, وفي كليهما جاء أسلوب الخطاب الرباني واحداً, ولا فرق بينهما إلا في المناسبة. فكيف يكون حذف النون في الآية الأولى تخفيفاً وتهويناً عن النبي عليه السلام ولا يكون كذلك في الآية الثانية؟!
وحذفت من "تك" في قوله تعالى: {فلا تك في مرية منه} [هود17]، وثبتت في "تكن" في قوله تعالى: {فلا تكن في مرية من لقائه} [السجدة23]، ففي الأولى تثبيت للرسول ونهي له عن الريب والمرية بخلاف الآية الأخرى فليس فيها مثل هذه الدواعي.ثم إن الكلام في الأولى على القرآن الكريم وعلى قوم الرسول وتهديد من يكفر به, والكلام في الثانية على التوراة وبني إسرائيل, فناسب الحذف في الآية الأولى دون الثانية تثبيتاً للرسول ونهياً له عن الريبة فيه (12).
ويستأنس السامرائي بسياق السورة كله في توجيه بعض المواضع, فقد حذفت النون من "يك" في قوله تعالى: {ألم يك نطفة من مني يمنى} [القيامة37]. فقد ربط بين حذفها وطابع العجلة الذي اتسم به الجو العام للسورة, فقد وصفت السورة طابع النفس الإنسانية من حيث الميل إلى العجلة التي تؤدي به إلى الندم واللوم(13) كما أن الإنسان لا يخلق من المني وحده, وإنما يخلق عندما يلتقي المني بالبويضة, لهذا نقص فعل الكون (يكن) إشارة إلى التطوير المذكور في الآيات (14).
وقد أقام السامرائي علاقة بين حذف النون ووقوع الحذف في مواضع أخرى من السورة ذاتها, فقد حذف جواب القسم {لا أقسم بيوم القيامة} [القيامة1], وحذف فاعل الفعل {كلا إذا بلغت التراقي} [القيامة26], وحذف فاعل الظن {وظن أنه الفراق} [القيامة28] (15).
ثانياً: حذف نون الفعل المضارع:
حذفت النون من " فنجي" في قوله تعالى: {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} [يوسف110].
ينبغي أن نوجه رسم النون في الفعل المشار إليه وفق اختلاف القراءات, ويمكن تصنيف القراءات وفق رسم النون إلى نوعين:
الأول: القراءة بنون واحدة وهذا يعني أن النون لم تحذف, فقد قرئت "فَنُجِيَ من نشاء" والمعنى: من يشاء الله تَنْجِيَتَه (16), وقرئت "فَنَجَى" عطفاً على الفعل الماضي "جاءهم" (17) وقرئت "فنجّي" على البناء المجهول, وهي رواية نصر بن علي عن أبيه عن أبي عمرو, ولكن أبا بكر رفض هذه القراءة لأن الإدغام لا يجوز في هذا الموضع لأن النون الأولى مفتوحة والثانية ساكنة ولا يجوز إدغام المتحرك في الساكن, وكذلك لا تدغم النون في الجيم (18).
الثاني: القراءة بنونين, وهذا يعني أن النون الثانية قد حذفت، فقد قرئت "فننجي" على الاستقبال, والمعنى: ننجي نحن من نشاء, وهو فعل الله عز وجل (19).
وكذلك حذفت من "ننجي" في قوله تعالى: {فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين} [الأنبياء88]. ويرى الفراء أن النون الأولى متحركة والثانية ساكنة فلما خفيت حذفت, وهذا توجيه قريب من قاعدة ما يلفظ يكتب وهي قاعدة لا تنسجم مع واقع الرسم القرآني.
ويعلل الفراء قراءة عاصم بنون واحدة ونصب "المؤمنين" بأنه أضمر المصدر في "نجّي" فنوى به الرفع ونصب "المؤمنين" نحو: ضرب الضربُ زيداً, ثم تكني عن الضرب, فتقول: ضرب زيداً, وكذلك نجي النجاءُ المؤمنين (20).
وقد أثار هذا التوجيه سخط الزمخشري إذ يقول: "وننجي ونجي, والنون لا تدغم في الجيم, ومن تمحّل لصحته فجعله (فعل) وقال: نجي النجاء المؤمنين فأرسل الياء وأسنده إلى مصدره, ونصب المؤمنين بالنجاء فمتعسّف بارد التعسّف (21).
ثالثاً: حذف نون "إذن":
نص النحاة واللغويون على إبدالها ألفاً في الوقف تشبيهاً لها بنون المنصوب, وقيل يوقف بالنون, كنون لن وإِنْ وهو رأي المازني والمبرد, وقد أدى الخلاف في الوقف عليها إلى خلاف في رسمها, فالجمهور يكتبونها بالألف كما جاءت في المصحف, أما المازني والمبرد فيكتبانها بالنون (22).
وعلل ابن قتيبة رسمها بالألف؛ لأن الوقف عليها بالألف, وشبهها بالنون الخفيفة في قوله تعالى: {لنسفعاً بالناصية} [العلق15] و {وليكوناً من الصاغرين} [يوسف32] (23) ويضيف الضباع تعليلاً آخر لرسمها بأنها "لما أشبهت المنون المنصوب في كونها ساكنة في الطرف مفتوحاً ما قبلها مبدلة في الوقف ألفاً كتبت في جميع المصاحف ألفاً لذلك (24).
ومن مسائل رسم النون: رسم التنوين نوناً في "كأين" وهي اسم مركب من كاف التشبيه وأي المنونة, وقد رسم التنوين في المصحف نوناً لأنه لما دخل في التركيب صار يشبه النون الأصلية (25) وقرئ "كَأيّن" بالتشديد و"كائن" على وزن فاعل (26) وفي القراءة الثانية تكون النون أصلية وليست رسماً للتنوين.
وكذلك رسمت النون ألفاً في "ليكوناً" في قوله تعالى: {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين} [يوسف32] وفي "لنسفعاً" في قوله تعالى: {كلا لئن لم ينته لنسفعاً بالناصية} [العلق15].
ويرى الزمخشري أنها رسمت ألفاً على حكم الوقف(27) ولعل سكونها ووقوعها زائدة في آخر الكلمة وملازمة الحركة لها وإبدالها في الوقف ألفاً قد سوّغ رسمها ألفاً (28).
بقلم الدكتور: د. عمر عبد الهادي عتيق
--------------------------- | |
|