موضوع: توجيه زيادة الواو في القرآن الخميس 8 يناير - 19:36
توجيه زيادة الواو في القرآن
أ- أسماء الإشارة:
زيدت الواو في كلمتي (أولئك)، (أولي) وأشباههما، حيث وقعتا في القرآن الكريم. وأبرز الآراء شيوعاً في توجيه زيادة الواو في أسماء الإشارة يَتمثل في أن الواو زيدت للتفريق بين "أولئك" و "إليك"؛ وللتفريق بين "أولي" و "إلى" الجارّة (1) وقد تردد صدى توجيهات القدماء في كتابات المحدثين(2).
ولعل شيوع مقولة التفريق بين القدماء قد أغرى صاحب تهذيب اللغة إلى إطلاق مصطلح "الواو الفارقة" وهي "كل واو دخلت على أحد الحرفين المشتبهين ليفرق بينه وبين المشبه له في الخط"(3).
ويبدو أن مقولة التفريق بين الكلمتين المتشابهتين في الرسم لم تكن رأياً قاطعاً لدى بعض العلماء القدماء، فابن الجزري ـ مثلاً ـ يرى أن زيادة الواو في "أولئك" للتفريق بينها وبين "إليك"، ولكنه يرى خلاف ذلك في زيادتهما في "أولي" إذ "تحتمل أن تكون الواو صورة الهمزة كما كتبت في "هؤلاء" وتكون الألف ألف ياء وهو بعيد لاطراد حذف الألف في ياء حرف النداء، ولكن إذا أمكن الحمل على عدم الزيادة بلا معارض فهو أولى"(4).
ومن القدماء من نفى مبدأ التفريق في زيادة الواو فالمراكشي ينفي أن تكون زيادة الواو في "أولئك" للتفريق بينها وبين "إليك"، "لأنه قول منقوض بأولاء"(5) ومن يزعم أن الواو للتفريق في "أولئك" و "أولي"، لم يقدم توجيها لزيادتها في "أولوا" و "أولات". ويرى المراكشي أن الزيادة في "أولوا" و "أولات"، لقوة المعنى فيهما وزيادته على معنى "أصحاب"، ففي معناهما الصحبة وزيادة التمليك والولاية (6).
ولو وازنا بين توجيهات العلماء الذين اعتمدوا مبدأ التفريق في زيادة الواو وتوجيهات المراكشي، نجد أن توجيه المراكشي أكثر منهجية من غيره لأنه نقض مبدأ التفريق من جهة، واستأنس بالبعد الدلالي من جهة أخرى.
ونجد أن من المحدثين من يتفق مع المراكشي في نفي مبدأ التفريق ويختلف معه في سبب الزيادة, فقد نفى غانم قدوري أن يكون التفريق بين كلمة وأخرى بوساطة رسمها إذ "ليس من المتوقع أن يشغل بال الكتبة في الفترات السابقة للرسم العثماني؛ لأن الكتابة وكذلك المعرفة اللغوية المعقدة لم تكن في تلك الفترة من الغزارة و الكثرة التي انتقلت إليها بعد الإسلام بحيث تتيح تأمل صور الكلمات وتبين المتشابه منها(7).
ويرى أن الحاجة إلى التفريق بين المتشابهات رسماً يمكن أن تتحقق بوساطة الرسم وفق النطق وذلك بحذف الواو وزيادة فتحة طويلة بعد اللام، فتصبح (ألائك) (، ولا يخفى أن هذا الاقتراح لا يخدم المسألة التي نحن بصددها لأن رسم الواو في الكلمات المشار إليها هو واقع الرسم القرآني ولا وجه لطرح بدائل كتابية. ويضيف غانم قدوري بعد نفيه واقتراحه اللذين تقدما أن الألف في "أولئك" تشير إلى تحقق الهمزة حينما تنطق الكلمة مفردة، وأن الواو تشير إلى نطق الهمزة مخففة حينما تنطق متصلة (9).
ويبدو أن غانم قدوري ليس مطمئناً إلى ما ذهب إليه وذلك في قوله: "ويبدو أن تفاصيل كثيرة تتعلق بهذا الاتجاه في الكتابة قد ذهبت ولم يتحدث عنها مؤرخو العربية أو أن كلامهم عنها لم يصل إلينا"(10).
ب- الأفعال:
زيدت الواو في (سأوريكم) في قوله تعالى: {سأوريكم دار الفاسقين} [الأعراف 145]، و {سأوريكم آياتي} [الأنبياء 37]. وقد اختلفت المصاحف في رسم (ولأصلبنكم) [طه 71]؛ فقد رسمت بواو في بعض المصاحف وبغير واو في بعضها الآخر(11) وقد اختلف العلماء في رسم (سأوريكم)، فالزمخشري لا يرى في رسمها زيادة، وإنما رسمت على "لغة فاشية بالحجاز، يقال: أوروني كذا، وأوريته، ووجهه أن تكون من أوريت الزند كأن المعنى بيّنه لي وأنره لأستبينه، وقرئ: سأورثكم وهي قراءة حسنة يصححها قوله: {وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون} [الأعراف137] (12).
والواو فيها عند المراكشي زائدة "تنبيهاً على ظهور ذلك بالفعل للعيان أكمل ما يكون، ويدل على هذا أن الآيتين جاءتا للتهديد والوعيد"(13) وأما عند ابن الجزري فالألف هي الزائدة وأن الواو صورة للهمزة كتبت على مراد الوصل تنبيها على التخفيف (14).
ويتجلى صدى توجيه ابن الجزري عند غانم قدوري الذي يرى أن دخول السين جعل الهمزة متوسطة، فخففت تخفيف الهمزة المضمومة بعد فتح، فتخلف عنها واو ضعيفة واضحة في النطق، ولكن رسم الكلمة يشير إلى أصل نطق الهمزة قبل دخول السين وهو التحقيق، ولم يكن من اليسير إهمال صورة الهجاء القديم وإثبات صورة النطق القديم (15).
ولا خلاف في أن الهمزة المبتدئة قد تخفف تخفيف المتوسطة إذا دخل عليها حرف زائد لأنها بعدت من أول الكلام فثقلت فخفت(16) ولكن ثبوت الألف يضعف احتمال أن تكون الواو صورة للهمزة في حال التخفيف. وما دام الأمر كذلك فإن ما ذهب إليه الزمخشري والمراكشي أقرب إلى الصواب.
بقلم الدكتور: د. عمر عبد الهادي عتيق
---------------------------
(1) انظر على سبيل المثال: ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم: أدب الكاتب ص246. والصولي، أبو بكر محمد بن يحيى. أدب الكتاب. ص251. و ابن الجزري، أبو الخير الدمشقي: النشر. ج1، ص353.
(2) انظر على سبيل المثال شعبان محمد: إسماعيل: رسم المصحف وضبطه. ص43.
(3) الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد: تهذيب اللغة. تحقيق: إبراهيم الأبياري. دار الكتاب العربي، 1967، ج15، ص675.
(4) ابن الجزري، أبو الخير الدمشقي: النشر. ج1، ص353.
(5) المراكشي، أبو العباس أحمد بن عثمان: عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل. ص88.
(6) المصدر نفسه، ص87.
(7) انظر: غانم قدوري الحمد،: رسم المصحف. ص328.
( المرجع نفسه، ص327.
(9) المرجع نفسه، ص324.
(10) المرجع نفسه والصفحة نفسها.
(11) انظر: الداني، أبو عمرو: المقنع. ص53.
(12) الزمخشري، جار الله: الكشاف. ص387.
(13) المراكشي، أبو العباس أحمد بن عثمان: عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل. ص87.
(14) انظر: ابن الجزري، أبو الخير الدمشقي: النشر. ج1، ص353.
(15) انظر: غانم قدوري الحمد،: رسم المصحف. ص322ـ 323.
(16) انظر: القيسي، مكي بن أبي طالب: الكشف عن وجوه القراءات. ج1، ص81.