المشاكل السلوكية الفطرية لدى الأطفال والمراهقين
حامد الحمداني
إن المشاكل السلوكية التي تجابه الطفل والمراهقين سواء كان ذلك في البيت أو المدرسة وخارجها كثيرة ومعقدة ، وأن معالجتها والتغلب عليها ليس بالأمر السهل مطلقاً ، وهو يتطلب منا الخبرة الكافية في أساليب التربية وعلم النفس من جهة ، والتحلي بالحكمة والصبر والعطف الأبوي تجاه أطفالنا سواء في البيت و في المدرسة من جهة أخرى .ولذلك وجدت أن من الضروري أن أتعرض لأهم تلك المشاكل مستعرضاً مسبباتها وأساليب معالجتها والتغلب عليها . ولسهولة البحث نستطيع أن نقسمها إلى قسمين رئيسيين :
1 ـ المشاكل السلوكية الفطرية
2 ـ المشاكل السلوكية المكتسبة
وسأتناول في هذا البحث المشاكل السلوكية الفطرية ، على أمل أن أتناول المشاكل السلوكية المكتسبة في البحث قادم .
المشاكل السلوكية الفطرية
ونقصد بهذا النوع من المشاكل تلك التي تنشأ ، أو تظهر لدى أبنائنا وبناتنا نتيجة لدوافع فطرية يطلق عليها عادة [ الغرائز ] ولابد لنا قبل البحث في هذا النوع من المشاكل أن نستعرض تلك الغرائز البشرية لكي نقف على ما يمكن أن يسببه التعامل معها لأبنائنا من مشاكل سلوكية ، بغية معالجتها . ذلك أن الغرائز البشرية هذه لا يمكن كبتها ، أو محوها ،أو تجاهلها على الإطلاق ، ولكن يمكننا السمو بها وجعلها مصدر خير لأبنائنا ومجتمعنا ، وبذلك نكون قد حققنا هدفنا في تنشئة أبنائنا نشأةً صالحة وجنبناهم الكثير من الشرور ، ذلك أن الغرائز يمكن أن تكون مصدر شر وأذى إذا ما تركت وشأنها ، ويمكن أن تكون مصدر خير لأبنائنا إذا ما سمونا بها وسيطرنا عليها بشكل علمي وعقلاني دون اللجوء إلى القسر والقمع الذّين يمثلان نقيضاً للطبيعة البشرية التي لا يمكن قهرها ، وسألقي نظرة سريعة على الغرائز البشرية ومدى تأثيرها على سلوك أبنائنا ، وما يمكن أن تسببه لهم من مشاكل والسبل القويمة لمعالجتها، والتخفيف من تأثير الجوانب السلبية لها .
أنواع الغرائز [ الدوافع ]
1 ـ غريزة الخلاص .
2 ـ غريزة المقاتلة .
3 ـ غريزة حب الاستطلاع .
4 ـ غريزة الأبوة والأمومة .
5 ـ غريزة البحث عن الطعام .
6 ـ غريزة النفور
7 ـ غريزة الاستغاثة .
8 ـ غريزة السيطرة .
9 ـ غريزة الخضوع .
10 ـ غريزة حب التملك .
11 ـ غريزة حب الاجتماع .
12 ـ غريزة الهدم والبناء
13 ـ غريزة الجنس .
14 ـ غريزة الضحك .
وسأتعرض إلى كل واحدة من هذه الغرائز ، وما يمكن أن تسببه من سلوك إيجابي أو سلبي ، وكيف يمكن السمو بها وتوجيهها لما فيه خير أبنائنا وبناتنا .
1ـ غريزة الخلاص :
وتستثار هذه الغريزة عادة عند شعور الأطفال بخطر ما يجعلهم يلجئون إلى الهرب شعوراً منهم بالخوف . فلو فرضنا أن حريقاً شب في البيت ، أو في المدرسة ، فإننا نجد الأطفال يتراكضون وقد تملكهم الرعب والفزع ، لينجوا بأنفسهم من الحريق والموت ، وهنا تظهر أيضاً انفعالات لغريزة أخرى هي غريزة [الاستغاثة ]فيعمد الأطفال إلى الصراخ وطلب النجدة ، شعوراً منهم بالخطر .وقد يتحول الخوف إلى نوع من الهلع الحاد وينتاب الطفل مشاعر غريبة وفريدة إلى حد كبير .
ما هو موقفنا من هذه الغريزة ؟
إن من الطبيعي أن يكون موقفنا منها ذا شقين :
الشق الأول : تبيان مخاطر النار لأطفالنا ، وما تسببه الحرائق من خسائر في الأرواح والممتلكات ، كي نبعدهم عن اللعب والعبث بالنار ، أو الاقتراب منها أو إشعالها ، وأن نوضح لهم أن الحرائق تبدأ عادة بعود ثقاب ، أو بشرارة نارية أو كهربائية ، لكنها سرعان ما تشتد وتتسع بحيث يصعب السيطرة عليها بسهولة ، وبدون خسائر مادية وبشرية كبيرة .
الشق الثاني : ينبغي لنا أن لا ندع الخوف والهلع يسيطر على أبنائنا فيسبب ما سبق أن ذكرنا من مضار ومخاطر ، ذلك أن الخوف والهلع في المواقف هذه يفقد القدرة على التفكير والتصرف الصائب وينبغي علينا أن نستثير فيهم روح الشجاعة والأقدام والاتزان ، وعدم الارتباك والتصرف الهادئ في مثل هذه المواقف .
2 ـ غريزة المقاتلة :
إن موقفنا من هذه الغريزة يجب أن يتصف بالحكمة والدقة . فلو أن أحد الأبناء تخاصم مع أحد زملائه لأنه وقف حائلاً أمام رغبته في تحقيق أمر ما ، فعلينا أولاً وقبل كل شيء أن نتفهم السبب الحقيقي للنزاع ، لكي نتعرف على ما إذا كان الموقف يستحق المقاتلة والخصام أم لا ؟ وينبغي أن نفهمه أن اللجوء إلى المقاتلة قبل استنفاذ الوسائل السلمية أمر غير مقبول ، وأن الواجب يقتضي منه مراجعة إدارة المدرسة إن كان متواجداً فيها ومراجعة ذويه إن كان خارج المدرسة ، إذ أن التسرع واللجوء إلى العنف يعرض النظام العام للانهيار فلا تستطيع المدرسة أن تؤدي عملها ، و لذلك فعليه الاستعانة بإدارة المدرسة قبل اللجوء إلى استعمال القوة ، وعلى إدارة المدرسة أن تأخذ المسألة بشكل جدي وتجري التحقيق اللازم في الأمر بشكل دقيق ومعالجة المشكلة بشكل يجعل التلميذ يؤمن بأن مراجعته إدارة المدرسة يؤمن له حقه ، إن كان على حق طبعاً ، فلا يلجأ للقتال .
ولا شك أن الأطفال والمراهقين ذوي الاضطرابات الأخلاقية يمارسون أحياناً سلوكيات تتسم بالعدوان ، والاندفاع ، والتدمير ، على الرغم من الجهود المضنية التي تبذل من قبل المربين لتعديل سلوكهم وهم يمارسون عملية انتهاك حقوق الآخرين باستمرار ، ولا يلتزمون بالمعايير الاجتماعية بما يتناسب مع عمرهم الزمني ، و يستمرون بممارسة هذا السلوك على الرغم من تعرضهم مراراً وتكراراً للعقاب ، ويصرون على ممارسة [السلوك العدواني والمواجهة البدنية] مع الآخرين ،كما يتسمون [بالعناد وعدم الخضوع ] و [الإخفاق في الأداء ] سواء في المنزل أو المدرسة وإلى [استعمال المواد المخدرة ] و[ تكرار الإهمال ] و[التهرب من البيت أو المدرسة ] و[تخريب الممتلكات العامة والخاصة ] و[الانحراف الجنسي] و[السرقة ] وغيرها من الآفات الاجتماعية الأخرى التي قد تتضمن مواجهة جسدية عدوانية [ السرقة بالإكراه ] ، أو الاعتداء الجنسي العنيف [الاغتصاب ] وقد تمتد هذه السلوكيات إلى العراك مع الأقران ،والاعتداء على الآخرين والهجوم عليهم والاغتصاب والقتل .
إن معالجة هذا النوع من السلوك المنحرف تتطلب جهوداً كبيرةً وأساليب معقدة وصبراً وأناةً طويلين ، ومتابعةً مستمرةً من قبل البيت والمدرسة معاً ، وقد يتطلب ذلك علاجاً نفسياً وصحياً .
أن هناك البعض ممن يقف من المقاتلة موقفاً سلبياً بشكل مطلق فيسبب موقفهم هذا ببث روح المذلة والخنوع والانهزامية في نفوس الناشئة ، فهناك مواقف ينبغي أن تتميز بالشجاعة والإقدام دفاعاً عن الحقوق المغتصبة ، فالجندي الذي نطلب منه أن يدافع عن وطنه وشعبه ضد المعتدين لا يستطيع القيام بواجبه على الوجه الأكمل إذا قتلنا فيه روح الشجاعة والإقدام في المراحل الأولى من حياته.
ينبغي أن يكون موقفنا من هذه الغريزة موقفاً إيجابياً قائماً على أساس سيادة القانون والنظام أولاً ، والدفاع عن الحقوق والكرامة ثانياً ، فلا اعتداء على الأخوان والأصدقاء والزملاء والجيران ، ولا خنوع وخضوع وجبن أمام المعتدين .