8 ـ غريزة الخضوع :
إن هذه الغريزة هي على النقيض من غريزة السيطرة ، ونجدها لدى الإنسان الذي يشعر أنه في موقف خطير وصعب وضعيف ، لكي يحمي نفسه من بطش الآخرين . ونستطيع أن نستدل على خضوعه وخنوعه من موقف الأبناء تجاه آبائهم أو معلميهم الأشداء في تعاملهم . ولا تقتصر هذه المواقف على الصغار بل تتعداها إلى الكبار في ظل المجتمعات التي تُحكم بأسلوب دكتاتوري يستخدم العنف وأساليب البطش والإرهاب ضد أبناء الشعب ، كما هو الحال في الكثير من بلدان وخاصة بلدان العالم الثالث التي تقودها حكومات ديكتاتورية ، حيث تحكم شعوبها بالحديد والنار وأقسى أساليب الإرهاب وكم الأفواه .
إن هذه الغريزة يمكن أن تكون مصدر ضرر كبير لأبنائنا ،حيث تخلق لديهم روح التخاذل والانهزام والجبن ، والشعور بالنقص ، وضعف الشخصية .
وعليه فالواجب يتطلب منا ،كمربين ،أن لا ندع العلاقة بيننا وبين أبنائنا قائمة على أساس الخوف والرهبة ،والطاعة العمياء التي تحطم شخصيتهم ، بل ينبغي أن يكون التعامل قائماً على أساس الاحترام والمحبة والعطف لكي لا ندع هذه الغريزة تؤثر على نشأت أبنائنا فتضعف شخصيتهم وتفقدهم الثقة بالنفس .
9 ـ غريزة حب التملك :
وتبدأ هذه الغريزة بالظهور لدى الأطفال في سن مبكر جداً ، حيث يمر الطفل بمرحلة تدعى [ الأنا] وفي هذه المرحلة يشعر الطفل أن كل ما حوله من الأشياء يعود إليه، ويحاول الاستحواذ عليها ، ويبدأ بالبكاء والصراخ إذا ما حاولنا نزعها منه بالقوة .وكثيراً ما تخاصم الأطفال بسبب ذلك وقد يلجأ إلى الضرب أو العض دون إدراك منه . وعندما يكبر الطفل تبدأ هذه الغريزة بالتطور ، فنراه يسعى إلى الحصول على الأشياء كالألعاب وغيرها بالطلب من أبويه تلبية مطالبه ويحاول التمرد والعصيان إذا لم تلبى تلك المطالب ، وخاصة عندما يرى لدى البعض من زملائه تلك الأشياء ولا يمتلكها هو أسوة بهم .
إن على الآباء والأمهات أن يلبوا تلك الحاجات لدى أبنائهم قدر الإمكان ،على أن لا تتجاوز حدود المعقول وحدود إمكانياتهم المادية ، فلا تقتير ، ولا تلبية كل ما يُطلب منهم ، لأن كلتا الحالتين تسببان لأبنائهم الضرر البليغ ، وعلى الآباء والأمهات أن يكافئوا أبنائهم إذا تفوقوا في دروسهم ،وإذا ما كانوا حسني السلوك والتعامل مع إخوانهم وأخواتهم وزملائهم . إن غريزة حب التملك تستمر لدى الإنسان طوال حياته حيث يطمح كل فرد في أن يمتلك على سبيل المثال مسكناً وأثاثاً فاخراً وسيارة ، وأن يلبس الملابس الأنيقة ، وأن يكون لديه من المال ما يمكنه من إشباع كافة حاجاته المادية ، وقد يلجأ البعض إلى الأساليب النظيفة والشريفة لتأمين تلك الحاجات ، وقد يلجأ البعض الآخر إلى مختلف أساليب الغش والاحتيال والسرقة والاغتصاب للحصول على ما يبتغيه ، وقد يسعى للإثراء غير المشروع سالكاً كل الطرق ،ومستخدماً كل الوسائل في سبيل ذلك . وهكذا تبدو لنا هذه الغريزة كسيف ذو حدين ، ولذلك فأن علينا أن نربي أبنائنا منذ الصغر على الأمانة والعفة ، وعدم التجاوز على حقوق الغير أو ممتلكاتهم ، وبسلوك الطريق الصحيح في الحصول على الأشياء ، وعلينا أن ننمي الجانب الإيجابي في هذه الغريزة ونكبح جماح جانبها السلبي قدر المستطاع .
ولابد أن أشير هنا إلى أن هذه الغريزة تفعل فعلها بشكل صارخ وعدواني على مستوى الدول والحكومات ، والكثير من الجشعين الذين يستخدمون كافة الوسائل والسبل للاستحواذ على ثروات الشعوب الضعيفة ونهب خيراتها وتركها تئن تحت وطأة الجوع والعري والمرض والتخلف فلقد شهد النصف الأول من القرن العشرين هجمة استعمارية من قبل العديد من الدول الأوربية ، واليابان والولايات المتحدة كان ضحيتها الشعوب الضعيفة ،من أجل أن يملأ المستعمرون جيوبهم بمليارات الدولارات على حساب بؤس وتعاسة تلك الشعوب ،التي رزحت لعشرات السنين تحت نير الاستعمار ، ودفعت ثمناً غالياً من دماء أبنائها ،من أجل استعادة حريتها واستقلالها وثرواتها .
10ـ غريزة حب الاجتماع :
لا يستطيع أي إنسان ، طفلاً كان أم بالغاً ، كبيراً أم صغيراً ، ذكراً أم أنثي أن يحيا حياة منعزلة عن الآخرين . أنها غريزة حب الاجتماع التي تظهر لدى الإنسان منذ طفولته المبكرة فنراه إذا ترك لوحده يبدأ بالبكاء والصراخ ، ولا يشعر بالأمان ، وتتصاعد رغبة الطفل كلما نما وكبر ،فنراه ميالاً إلى لقاء غيره من الأطفال واللعب معهم ، وقد يقضي معهم الساعات الطوال دون أن يحس بالوقت، ولا يمكن لنا أن نحجزه بين أربعة جدران لوحده ، وحتى لو كنا معه في البيت فإنه يبقى بحاجة إلى الخروج واللعب مع أقرانه الأطفال .
إن هذه الغريزة تحمل الجانب الإيجابي أكثر من الجانب السلبي ، حيث يُكّون الطفل علاقات اجتماعية تخلق روح المحبة والتعاون لديه . لكن على الآباء والأمهات أن يحرصوا على حماية أبنائهم من رفاق السوء لئلا يصيبونهم بالعدوى ويصبحون مثلهم شاءوا أم أبوا ، ينبغي أن نحرص على جعل أبنائنا يختارون الأصدقاء الذين يتصفون بالأخلاق الفاضلة ،والصفات الحميدة ، وعلينا كمربين أن نراقب علاقاتهم بالأصدقاء ، ونتعرف باستمرار على أوضاعهم وسلوكهم وتصرفاتهم للحيلولة دون صدور أي تصرف منهم يسيء إليهم وإلى المجتمع ، وعدم تركهم وشأنهم ، فينحرفون ويجرفون معهم غيرهم إلى طريق السوء .
ولا شك أن الإكثار من النشاطات اللا صفية في المدرسة ، وبإشراف معلميهم ، من رياضة وتمثيل وخطابة ورسم ونحت وغيرها من النشاطات المفيدة تمكننا من السمو بهذه الغريزة ، وتعزز العلاقات الاجتماعية بين التلاميذ ، وتخلق فيهم روح المحبة والاخوة والتعاون ، إضافة إلى تنمية مواهبهم وقدراتهم في مختلف المجالات الفنية والأدبية والاجتماعية .
.