موضوع: ظاهرة قلب الألف إلى واو في القرآن الكريم الخميس 8 يناير - 19:31
بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة قلب الألف إلى واو في القرآن الكريم
تنوعت توجيهات العلماء لظاهرة قلب الألف إلى واو، وذلك على النحو الآتي:
1- التفخيم:
وألف التفخيم تستدير في نطقها الشفتان قليلاً مع اتساع الفم نتيجة لحركة الفك الأسفل ويرتفع مؤخر اللسان قليلاً فيصير الفم في مجموعه حجرة صالحة لإنتاج القيمة الصوتية التي نسميها التفخيم على لغة أهل الحجاز. وقد خشي مدوِّنُو القرآن على تفخيم الألف فلهذا السبب كتبوها في صورة الواو ليعلم القارئ أن هذه الألف مفخمة (1).
وهو أكثر الآراء شيوعاً، فقد نص الداني على أن الألف قلبت واواً في أربعة أصول مكررة وهي (الصلوة والزكوة والحيوة والربوا) حيث وقعن، وفي أربعة أحرف متفرقة وهي (الغدوة ومشكوة والنجوة ومنوة) (2) وبعد أن يقرر أن "الربوا" من الأصول المكررة، يعود ويقرر أن موضعها في [الروم39] مختلف فيه (3).
وقد أسرف المراكشي في اعتماده على علة التفخيم، فذهب إلى أن القصد تعظيم شأن هذه الحروف؛ فالصلاة والزكاة عمودا الإسلام، والحياة قاعدة النفس ومفتاح البقاء، وترك الربا قاعدة الأمان، والنجاة قاعدة الطاعات، والغدوة قاعدة الأزمان والمشكاة قاعدة الهداية، ومناة قاعدة الضلال (4).
ولا يخفى تكلف المراكشي فيما ذهب إليه وبخاصة التفافه على علة التفخيم وهي تعظيم شأن هذه الحروف، فلجأ إلى نفي معنى الألفاظ التي تخلو من دلالة التفخيم، نحو: الربا ومناة، ليصبح المعنى المنفي معظماً، إذ إن ترك الربا أمان على سبيل المثال.
وقد بلغت العناية بالتفخيم أوجهاً لدى بعض المحدثين الذين شرعوا في البحث عن مسوغات لخروج بعض الألفاظ عن رسم التفخيم، فعللوا ترك التفخيم في كلمة "الربا" في {وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} [الروم39] "لأن المراد به المال الذي يهدى، ليأخذ المهدي أكثر مما أعطى؛ فلم يكن اللفظ مراداً به الربا بمعناه في الشرع؛ ولا سيما أن الآية مكية، وكانت قبل التحريم، فمن ثم كتبت بالألف ولم تكتب بالواو؛ لأنه لا تهويل فيه ولا تفخيم (5) وعللوا ترك التفخيم في (صلاتهم) في قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} [الأنفال35] "بأن صلاتهم غير معتد بها، وليست صلاة شرعية فمن ثم كانت لا تستأهل التفخيم، وفي (صلاتي) في قوله تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} [الأنعام162] بأن المقام مقام تذليل واستسلام لله، فليس التفخيم بلائق بالمقام. وفي (الدنيا) [الأنعام29] بأن الدهريين حياتهم ضائعة فليست جديرة بالتفخيم (6).
ويرى كمال بشر أن التفخيم في (الصلوة والزكوة والحيوة...) من اللغة السريانية، لأن التفخيم في اللغة العربية يرتبط بسياق الكلمة إذ لا تفخم الألف لذاتها ولما كان التفخيم في هذه الكلمات لا يرتبط بمجاورة الألف لصوت مفخم، فهو خاص بلهجة معينة متأثرة بنطق أجنبي وهو السريانية (7).
2- الرسم على الأصل:
يرى ابن قتيبة أن الواو هي الأصل، لأن الجمع صلوات وزكوات وحيوات، فقد قلبت ألفاً لما انفتحت وانفتح ما قبلها (.
3- الرسم النبطي:
يربط الصولي بين قلب الألف واواً وتعلم العرب للكتابة من أهل الحيرة (9) ونجد لرأيه امتداداً في الدراسات الحديثة، فيرى غانم قدوري أن رسم الكلمة بالواو هو بقايا من الكتابة النبطية القديمة (10).
4- الترتيب الهجائي:
وهو رأي الخليل بن أحمد، إذ يقول: "والحيوة كتبت بالواو ليُعلم أن الواو بعد الياء، ويقال: بل كتبت على لغة من يفخم الألف التي مرجعها إلى الواو، نحو: "الصلوة والزكوة (11).
بقلم الدكتور: د. عمر عبد الهادي عتيق
---------------------------
(1) انظر: تمام حسان: اللغة العربية ـ معناها ومبناها ـ عالم الكتب/ القاهرة. ط4، 2004، ص53.
(2) انظر: الداني، أبو عمرو: المقنع. ص54. وانظر: سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب، ج4، ص432.