تناولت هذه الدراسة مسألة عرض الحديث على القرآن وبيان المقصود بذلك، والجذور التاريخية لهذه الفكرة، والتحقيق في صحة الحديث المروي في ذلك، مع إبراز علاقة القرآن بالسنة، وتوضيح الاتجاهات التي تقدم ظاهر القرآن على السنة، مع بيان مسالك أهل البدع في ذلك اتباعاً للهوى، ومع توضيح المنهج الصحيح في المسألة، وبيان الحكمة من وجود التعارض المتمثل في إثارة العلم، والتدبر والابتلاء.
أما بالنسبة للدراسات السابقة، فلا يوجد تصنيف مستقل في ذلك، بل تم تناول المسألة في كتبُ مشكل الحديث ومختلفه، وكتب التفسير، وشروح الحديث، مثل كتاب ابن قتيبه تأويل مختلف الحديث، وكتاب الطبري تهذيب الآثار، وكتاب الطّحاوي في مشكل الآثار، والزركشي في الإجابة عما استدركته عائشة على الصحابة.
وقد انتظم عقد هذا البحث في سبعة مطالب وخاتمة على النحو الآتي:
المطلب الأول: الحديث لا يعارض القرآن
بين الباحث أن القرآن والسنة مصدرهما واحد، وأن الاختلاف غير متصور لاتحاد المصدر، وعلى هذا المعنى دارت أقوال العلماء كالشاطبي الذي وصل إلى نتيجة مفادها "أنك لا تجد البتة دليلين أجمع المسلمون على تعارضهما بحيث وجب عليهم الوقوف، لكن لما كان أفراد المجتهدين غير معصومين من الخطأ أمكن التعارض عندهم… وأن الخلاف لو كان مستساغاً بين الأدلة لأدى ذلك إلى التكليف بما لا يطاق". وأن السبب في وجود التعارض هو عدم التدبر والفهم.
المطلب الثاني: أحكام جديدة زائدة
بين الباحث أن السنة النبوية تأتي بأحكام لم ينص عليها القرآن لا عموماً ولا خصوصاً بل سكت عنها، وذلك ناشئ عن كونها مصدر تشريعي مستقل، وإن كان بعض العلماء كالشاطبي أرجع السنة المسكوت عنها في القرآن إلى الكتاب، وأنها داخلة تحت نصوصه، إلا أنه يثبت لها أحكاماً جديدة، وإن لم يجعلها مستقلة فالنتيجة واحدة، وأدلته هو ومن ذهب معه هي أن القرآن دل على وجوب العمل بالسنة، وأن السنة مفصلة له، وأنها جاءت لتحقيق مقاصد التشريع والمعاني الكلية التي قصدها القرآن، وأن السنة تلحق بعض الأحكام بقواعد عامة، مثل الطيبات والخبائث، أو عن طريق القياس.
المطلب الثالث: تخريج ودراسة الحديث المروي
جاء حديث عرض الحديث على القرآن، بألفاظ مختلفة ومعنى واحد، وذلك عن جماعة من الصحابة هم عبد الله بن عمر، وعلي بن أبي طالب، وثوبان، وأبي هريرة رضي الله عنهم، وجميع أسانيد هذا الحديث واهية وساقطة تدور على متروكين، ومتهمين بالكذب، ومجاهيل، ومغفلين توضع لهم الأحاديث، فهو حديث باطل من جميع طرقه، وقد حشد الباحث مجموعة من أقوال العلماء في رد الحديث سنداً ومتناً، ووضح أن متن الحديث ينعكس عليه بالبطلان، لأنه يخالف ما في كتاب الله من إطلاق التأسي بالرسول e والأمر بطاعته، وناقش الباحث أقوال العلماء الذين اكتفوا بتضعيفه دون بطلانه كالسباعي في كتابه السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي.
المطلب الرابع: المراد بعرض الحديث على القرآن
وفيه بين الباحث أن المراد بعرض الحديث على القرآن معنيان:
الأول: طلب مصداق الحديث من القرآن، يعني طلب ما يوافقه ويؤكده من عموم القرآن أو خصوصه، على سبيل الاستظهار وبيان الموافقة، مع الاعتقاد بعدم وجود ذلك لكل حديث، بل قد يوجد أحكام لم ينص عليها صراحة وإن كانت داخله تحت مقصود أو عموم. وأن هذا المعنى لا غبار عليه، وقد ورد ما يدل عليه من الرسول e ومن فعل صحابته والتابعين.
الثاني: الطعن في صحة أي حديث لا يوجد ما يوافقه من نصوص القرآن، بمعنى رد كل حديث جاء بحكم لم ينص عليه القرآن، وهذا المعنى مردود، وقد نبه على رده الصحابة الكرام، والتابعين الإجلاء، مثل ابن مسعود وعمران بن حصين من الصحابة، وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن يزيد من التابعين.
المطلب الخامس: توهم بعض الصحابة وأمهات المؤمنين وجود تعارض بعض الأحاديث وظاهر القرآن
ومن الأمثلة على ذلك؛ استشكال حفصة لقضية ورود النار واستشكال عائشة مناقشة الحساب، وبيان الرسول لذلك.
المطلب السادس: مخالفة الحديث للقرآن من ضوابط الحديث الموضوع
ومثل الباحث عليه بحديث خلق التربة، وبأمثلة أخرى، استدل على وضعها بمخالفتها القرآن وليس لها إسناد صحيح.
المطلب السابع: المسلك العلمي في دفع ما يتوهم من التعارض بين القرآن والحديث
عرض الباحث لآراء العلماء في ذلك، ورجح رأي الجمهور في تقديم الجمع على الترجيح كما هو مذهب الأحناف، مستبعداً مسلك النسخ بين القرآن والحديث لعدم المثلية، ومناقشاً شبهات المالكية في المسألة، ومستعرضاً مذاهب أهل البدع في تقديم أهوائهم عند مناقشة المتشابه، وتقديمهم ظاهر القرآن على صحيح السنة اتباعاً للهوى.
وفي الخاتمة عرض الباحث لأهم النتائج ومنها:
1- الحديث الصحيح الخالي من العلل لا يتعارض مع القرآن لاتحاد المصدر، وإنما التعارض يحصل في فهم بعض الأفراد.
2- الحديث المروي في قضية العرض؛ طرقه واهية وساقطة لا تخلو من وضاعين، والحديث ينعكس على نفسه بالبطلان.
3- في حالة وجود التعارض دون تأويل سائغ، يكون هناك علة يكشفها النقاد، وإن كان ضعيفاً فهو دلالة على وضعه.
4- من قدم ظاهر القرآن هم:
أ- الأحناف : اعتماد على أصولهم، ونتج عنه خلاف في الفرعيات.
ب- المالكية : قدموه في حالة عدم تأييده بالعمل.
جـ- الخوارج : عدم العمل به بسبب المعارضة، حتى لو كان متواتراً.
د- المعتزلة : تأييداً لبدعتهم.
5- لا بد من سلوك المنهج العلمي في دفع التعارض، وهو الجمع والتوفيق، وإعمال النصين دون تكلف، وعند عدم الإمكان يقدم مدلول القرآن.