في ذلك التاريخ .. بدأت حكاية فاروق .. مع مصر .. ومع نادي الزمالك .. فالزمالك افتتح سنوات الأربعينات بالفوز بكأس الملك .. وببطولة دوري منطقة القاهرة للمرة الثانية في موسم 1941/40 .. وبعد عام خسر الزمالك مباراة نهائي الكأس الذي فاز بها الأهلي .. وتقاسم الفريقان الكأس موسم 1943/42 .. ثم يأتي الموسم التالي .. ومعه أكبر مفاجأة في تاريخ كرة القدم المصرية حتي الآن .. فقد لعب الأهلي والزمالك المباراة النهائية علي كأس الملك .. وفاز الزمالك بالكأس .. وليست تلك هي المفاجأة .. إنما كانت المفاجأة هي فوز الزمالك علي الأهلي 6/صفر !!
ستة أهداف في مباراة واحدة تدخل مرمي الأهلي .. صدمة موجعة وقاسية .. لم يكن بوسع جمهور الأهلي أو لاعبيه إلا أن يتحملوها ويقبلوها .. إلا لاعب واحد فقط هو الذي كان يحرس مرمي الأهلي في تلك المباراة والذي أعلن بعد تلك الأهداف الستة إعتزاله اللعب نهائيا .. وتفرغ هذا الحارس بعد ذلك للتحكيم .. وأصبح فيما بعد حكما قديرا وشهيرا أيضا اسمه مصطفي كامل منصور
ولأنها كانت نتيجة غير طبيعية .. فقد كانت المباراة أيضا غير طبيعية .. وتبدأ حكاية تلك المباراة بأزمة بين النادي الأهلي وإتحاد كرة القدم .. أعلن النادي الأهلي عن رغبته في السفر إلي الشام لأداء عدة مباريات ودية هناك .. رفض اتحاد الكرة أن يلعب الأهلي في فلسطين .. فأصر الأهلي علي السفر إلي فلسطين وعلي اللعب هناك .. لم يتراجع اتحاد الكرة عن موقفه .. فاضطر الأهلي أن يسافر بلاعبيه تحت اسم منتخب نجوم القاهرة .. فقرر الاتحاد إيقاف كل من سافر من لاعبي الأهلي إلي فلسطين .. ثار النادي الأهلي علي قرار اتحاد الكرة ..و ثار أيضا جمهور الأهلي واتهم حيدر باشا رئيس الاتحاد - ورئيس نادي الزمالك في نفس الوقت - بالانحياز لناديه وأنه بهذا القرار يسعي لإهداء كأس الملك للزمالك
الثورة والغضب والتوتر .. تسللت إلي داخل قصر عابدين .. فكان لابد أن يتدخل الملك .. وأمر فاروق حيدر باشا بإنهاء المشكلة بأن يتقدم الأهلي باعتذار إلي الاتحاد .. وأن يقبل اتحاد الكرة اعتذار الأهلي .. ويلعب الأهلي كاملا المباراة النهائية علي كأس الملك
وحين وافق أطراف الأزمة علي الحل القادم من السراي .. لم يكن ماتبقي من وقت قبل المباراة يسمح للاعبي الأهلي بأي استعداد حقيقي لها .. فلعب الأهلي المباراة ونال أقسي هزيمة علي مدي تاريخه الطويل وبعد المباراة .. صعد لاعبو الزمالك .. أو المختلط .. ليتسلموا من الملك .. كأس الملك وهنا .. تختلف روايات التاريخ
يقول البعض إن الملك فاروق أمر بعد تلك المباراة بتغيير اسم النادي من المختلط إلي فاروق
والبعض الآخر يؤكد أن الملك .. وهو يقلد لاعبي المختلط ميداليات الذهب .. أشار إشارة عابرة إلي ضرورة تغيير اسم النادي إلي أي اسم آخر بدلا من المختلط بعد أن رحل الأجانب عن النادي وزال عصر المحاكم المختلطة .. فقرر مجلس إدارة النادي إطلاق اسم فاروق علي النادي
وهناك رواية ثالثة تقول أن إطلاق اسم فاروق علي النادي .. كان مبادرة من مجلس إدارة النادي تقربا للملك
وليس مايعنينا هو كيف تم اختيار الاسم .. لكن يعنينا .. أن نادي المختلط قد أصبح نادي فاروق .. وإذا كان الزمالك .. قد عاش سنوات الأربعينات وأنهاها .. حائرا بين الرياضة والسياسة .. فإنه بدأ سنوات الخمسينات وأنهاها .. حالما بعلاقة جديدة يقيمها بين الرياضة والاقتصاد .. وإذا كانت ثورة يوليو قد أطاحت بالملك فاروق فتغير اسم النادي من فاروق إلي الزمالك .. فإنها في المقابل أطاحت أيضا بالفريق محمد حيدر وزير الحربية ورئيس النادي ليجلس المحامي محمود شوقي علي مقعد الرئاسة .. ولكن سرعان ما تبين أن محمود شوقي ليس هو رجل الساعة في نادي الزمالك .. وهكذا تقرر البحث عن مليونير يقبل رئاسة الزمالك .. رجل بإمكانه تمويل الحلم الأبيض الطامح والطامع في مطاولة ومنافسة الألعاب الأحمراء .. ومن المؤكد أن محمود شوقي كان رجلا استثنائيا .. أو واقعيا أكثر مما نتخيل .. فلم يغضب ولم يرفض ولم يحتج علي أن يترك مقعده ويسلمه إلي أول مليونير يدق باب النادي وقد كان عبد الحميد الشواربي هو أول من اقترب .. وتسلم بالفعل مقعد الرئاسة .. وأصبح رئيسا لنادي الزمالك .. لكن المفاجأة كانت أن المليونير عبد الحميد الشواربي كان أكثر واقعية من المحامي محمود شوقي !
بعد ثلاثة أشهر فقط .. لم يقتنع الشواربي بحكاية المركز الأدبي والوجاهة الاجتماعية كرئيس لنادي الزمالك .. ولم يفرح طويلا بالمقارنة بينه وبين المليونير أحمد عبود الجالس علي مقعد رئاسة النادي الأهلي .. واضح أن الرجل لم تكن تعنيه كل تلك الأشياء والمعاني .. إنه رجل مال .. اعتاد أن يتعامل بقواعد الحساب وقوانين المكسب والخسارة .. وقد اكتشف الشواربي أن رئاسة الزمالك صفقة خاسرة حتي النهاية
ولم يجد المسئولون عن نادي الزمالك أمام تلك الورطة حلا سوي أن يسندوا رئاسة ناديهم مرة أخري إلي المحامي محمود شوقي .. فقد كان الشواربي واقعيا جدا .. في حين كان محمود شوقي واقعيا فقط بدون جدا وبعد قليل من الوقت .. تعين علي محمود شوقي أن يتنازل مرة أخري عن مقعد رئاسة الزمالك فقد تم العثور علي مليونير آخر بدا عليه أنه شديد الإقتناع بحكاية الوجاهة واللياقة الاجتماعية
وكان المليونير هذه المرة هو عبد اللطيف أبو رجيلة .. الرجل الذي يملك كل وسائل النقل في مدينة القاهرة .. والذي نجح في الحصول ـ بعد معاناة طويلة ـ علي لقب أغني أغنياء مصر .. وحين أصبح عبد اللطيف أبو رجيلة رئيسا لنادي الزمالك .. بدأ عهد جديد في النادي .. لكن في أرض جديدة انتقل إليها نادي الزمالك مع نادي الترسانة ونادي التوفيقية بقرار من وزارة الشئون البلدية والقروية .. ولم تكن الأرض الجديدة التي تم تخصيصها للزمالك في ميت عقبة تغري بالإنتقال .. فقد كانت أرضا غير ممهدة .. قاحلة لا زرع فيها باستثناء بعض الحشائش البرية التي تفتقر للرقة والجمال .. وقد حاول مجلس إدارة نادي الزمالك أن يماطل .. وأن ينال حق الاستثناء ليبقي علي شاطئ النيل دون جدوي .. من الواضح أن الزمالك في سنوات الثورة الأولي عاد يشغل وظيفته الأصلية فقط كناد رياضي .. وكأنه استقال من السلطة والنفوذ برحيل الملك فاروق .. لكن من المؤكد أن الزمالك لن ينسي تلك السنوات الأولي من عمر الثورة .. فبعد سنوات قليلة من الانتقال اضطرارا إلي ميت عقبة .. ستعود إلي الزمالك السلطة والنفوذ .. بل وسيصبح الزمالك واحدا من مراكز القوي الكروية والاجتماعية والسياسية والعسكرية في مصر .. وسيصبح النادي الذي كان يحظي في الأربعينات بالرعاية الملكية .. هو النادي الذي ستشمله في الستينات رعاية أقوي من الملك .. المشير عبد الحكيم عامر .. ومع ذلك .. كان هناك مليونير .. لا يزال قابلا لممارسة الدور القديم والاستمتاع بمقعد رئاسة نادي الزمالك .. هو علوي الجزار
وبعد عامين فقط .. تم تأميم علوي الجزار .. وفقد المليونير صلاحيات ومؤهلات منصب رئيس الزمالك .. ولم يعد هناك مليونيرات في مصر .. أو لم يعد هناك من يملك المليون ويستطيع أن يعلن ذلك .. في الواقع لم يعد الزمالك في حاجة إلي ملايين الباشوات .. بعد أن أصبح معه نفوذ الجيش .. والمشير .. وبالفعل جاء الدور علي حسن عامر شقيق المشير ليجلس علي مقعد رئاسة نادي الزمالك .. وستصبح المرة الأولي التي لا يعتمد فيها النادي علي ثروة الرئيس وإنما علي سطوة الرئيس .. وما يمكن أن يملكه من سلطة ومن نفوذ .. واستنادا إلي هذه السلطة وهذا النفوذ .. سيضم حسن عامر إلي النادي أرضا جديدة مساحتها ثمانين الف متر مربع .. وسيتم تطوير المبني الاجتماعي .. وإعادة تأثيثه .. وسيقام حمام سباحة وفقا للمقاييس الأوليمبية وحمام ثان للغطس وحمام ثالث للأطفال والصغار .. وستتضاعف مساحة الحدائق في النادي .. ويتم إنشاء عديد من الملاعب الخاصة باللعبات الأخري
وحكايات أخري لا أول لها ولا آخر باتت تستحق الآن أن نتوقف عندها بحب واهتمام
وفي حقيقة الأمر .. يحتاج تصحيح تاريخ الزمالك .. أو كتابته بصدق وحب واقتناع .. إلي ألف صفحة أخري .. وحتي يحدث ذلك فلابد من الاعتذار أولا لهذا النادي الكبير .. ثم لابد أن يحدث ذلك حتي يعرف المصريون جميعهم أن الزمالك ليس في بلادهم مجرد ناد للكرة وإنما هو جزء من تاريخهم وقطعة من قلب بلدهم وأحد أجمل حكايات الكرة والرياضة المصرية طوال تاريخها
بطولات الزمالك-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------مع تحياتى محمد الشاذلى