يتناول هذا البحث([1]) وقت نفخ الروح في الجنين، وهو موضوع هام له علاقة ماسة بموضوعات هامة كالإجهاض مثلاً. وقد بين الباحث فيه معنى الروح والحياة في النصوص الشرعية، وأن الروح غير الحياة، فالنبات مثلاً كائن حي وليس فيه روح، وأنه لا حرج من البحث في موضوع الروح، حيث أورد الباحث النصوص الشرعية التي تذكر وقت نفخ الروح في الجنين، وقد توصل بعد دراسة هذه الأحاديث ومقارنتها إلى أن الروح تنفخ بعد الأربعين الأولى لا الثالثة، وبداية بين الباحث المعنى اللغوي للروح، وأشار إلى أن الروح اصطلاح يطلق على عدة معان منها:
القرآن الكريم، وجبريل، والوحي، وعيسى u، وملك غير جبريل، وخلق لجني آدم يقال لهم الروح، وصنف من الملائكة يأكلون ويشربون، والقوة، وروح الحيوان، وروح الإنسان التي تنفخ فيه وهو في بطن أمه، وأن هذا المعنى الأخير هو الذي يعني البحث. وقد أجاب الباحث عن تساؤل هو : هل يجوز الخوض في الروح؟ مع ورود الآية: وأن الجواب على ذلك من عدة وجوه هي:
1- أن الروح المذكور في الآية ليس الروح الإنساني، إنما هو جبريل أو ملك غيره، أو عيسى u .
2- أن الله لم يجبهم عن سؤالهم لأنهم سألوا على وجه التعنت.
3- أن معنى الآية أي ما أُعطيتم أيها اليهود في توراتكم إلا قليلاً من العلم وليس منه علم الروح.
4- أن حقيقة الروح وماهيتها هي المسؤول عنها، وهي التي لا يمكن للبشر أن يعلموها، أما صفات الروح وعلامات وجودها فهذا مما يمكن أن يعرفه الناس، وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام عن بعض الأمور المتعلقة بالروح في بعض الأحاديث.
وعرض الباحث للروح الإنساني وبين أن العلماء اختلفوا في تعريفها إلى مائة قول، ولكنهم اتفقوا أن الإدراك، والحركات الاختيارية، والسمع، والبصر، والإحساس، دليل على وجود الروح في الجسد، وأن انتفاء كل ذلك دليل على عدم وجود الروح، وللروح في البدن خمسة أنواع من التعلق هي : عندما يكون جنيناً، وبعد خروجه إلى وجه الأرض حياً وفي النوم، وفي البرزخ ويوم البعث وهو أكملها، إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتاً ولا نوماً ولا فساداً، ووضح الباحث أن الحياة في القرآن الكريم لها عدة معان هي :
1- الإيمان.
2- حياة الشهداء.
3- حياة النبات.
4- الحياة الموجودة في الإنسان والحيوان وما شاكلها.
وفرق الباحث بين الروح والحياة، ورجح أن الرّوح غير الحياة، وأنهما قد تجتمعان وقد تفترقان وذلك لما يلي:
(أ) النبات له حياة، ولكن ليس له روح.
(ب) الجنين قبل نفخ الروح.
(جـ) الحياة بعد خروج الرّوح.
(د) النائم.
فهذه الأمور تكون فيها الحياة، ولكن الروح تكون غير موجودة؛ أما أصلاً أو قد خرجت نهائياً، أو قد تعود، وتطرق الباحث إلى الأحاديث الواردة في نفخ الروح، وعرض لما يلي:
أولاً: النصوص الواردة، حيث ذكر الباحث سبعة أحاديث: اثنان عن ابن مسعود، وأربعة عن حذيفة بن أسيد، وواحد عن جابر.
ثانياً: الأحاديث الخمسة الأخيرة لم تنص على نفخ الروح صراحة، وإنما تذكر تخليق الجنين وكتابة قدره، وقد ذكرها الباحث هنا لتصريح الحديثين الأوليين بأن كتابة القدر تكون مع نفخ الروح.
ثالثاً: آراء العلماء في التوفيق بين هذه الأحاديث، وتنحصر هذه الآراء في اتجاهات ثلاث:
1- التوفيق بين الأحاديث على ظواهرها دون حمل بعضها على بعض، ومن هذه الآراء:
أ- كتابة المقادير تقع مرتين، مرة بعد الأربعين الأولى ومرة بعد الأربعين الثالثة والنفخ يكون مع الكتابة الثانية.
ب- الكتابة تقع بعد الأربعين الأولى، والتصوير بعد الأربعين الثانية ونفخ الروح بعد الأربعين الثالثة.
جـ- الكتابة تكون بعد الأربعين الأولى، والتصوير والنفخ بعد الأربعين الثالثة.
د- أن ذلك يختلف باختلاف الأجنة فبعضهم تنفخ فيه الروح بعد الأربعين الأولى وبعضهم بعد الأربعين الثالثة.
هـ- اختلافات الروايات مبني على اختلاف مدة الحمل.
و- حمل رواية ابن مسعود على الإناث ورواية حذيفة على الذكور.
2- حمل الأحاديث الستة الأخيرة على الحديث الأول، واعتبار حديث ابن مسعود مفسراً للأحاديث الأخرى، أو أن المراد بالأربعين في غير حديث ابن مسعود الأربعين الثالثة.
3- حمل الحديث الأول على الأحاديث الأخرى.
وقام الباحث بالترجيح بين آراء العلماء، ووضح أن جمهور العلماء يأخذون بظاهر الحديث الأول بسبب شهرته، ولهذا فبعضهم لم يذكر الروايات الأخرى، وبعضهم مال إلى الترجيح استناداً إلى ظن بعض الناس أن التخليق لا يكون إلا في الأربعين الثالثة، وحملوا الأحاديث الأخرى على رواية ابن مسعود، وبعضهم اعتمد روايات ضعيفة، تصرح بأن نفخ الروح بعد أربعة أشهر، أو تصرح بأن كُلّ مرحلة أربعين يوماً. وتوصل الباحث إلى أن الأصح حمل الحديث الأول على بقية الأحاديث الأخرى، لأن الحديث الأول ليس فيه التصريح بالأربعة أشهر، وأن معنى الحديث بدون تكلف هو (ثم يكون في ذلك الوقت مثل ذلك الجمع) فهناك شبه بين العلقة والمضغة وبين الجمع، الأول وهو النطفة، وأن قوله (ثم يكون علقة) من باب ترتيب الأخبار. وعرض الباحث لليوم الذي تنفخ الروح فيه، وبين أن هناك أربعة أقوال هي: النفخ بين الليلة الأربعين والخامسة والأربعين، النفخ بعد اثنتين وأربعين ليلة، النفخ بعد أربعين ليلة، النفخ لبضع وأربعين ليلة، وقام الباحث بالتوفيق بيّن هذه الأقوال بعدة طرق:
1- أن ذلك يختلف باختلاف الأجنة.
2- القدر الزائد عن الأربعين لم يضبط، فلا تحدد يوماً معيناً لنفخ الروح فيه.
3- القول بأربعين أو خمسة وأربعين شك من الراوي، فيحمل على الرواية التي لا شك فيها وذكر الأربعين للتقريب.
4- تنفخ الروح بعد أربعين يوماً من استقرار النطفة في الرحم، ولا تنفخ من يوم التلقيح، والنطفة تدخل الرحم في اليوم الثالث من التلقيح.
5- أن الروح تنفخ في الجنين بعد الليلة الثانية والأربعين، لا من لحظة التلقيح للبويضة، لأن النطفة لا تستقر إلا في اليوم السابع تقريباً، فيكون نفخ الروح بعد الليلة التاسعة والأربعين.
وختم الباحث عمله بنتائج البحث وهي:
1- لا مانع شرعاً من البحث في الروح.
2- الروح غير الحياة، كما تدل النصوص الشرعية.
3- الراجح أن الروح تنفخ بعد الأربعين الأولى من الحمل لا بعد الأربعين الثالثة.
4- لا يوجد حديث واحد صحيح أو حسن يصرح بأن الروح تنفخ بعد أربعة أشهر.
5- ينبغي فهم حديث ابن مسعود - برواية البخاري - بما ينسجم مع رواية مسلم ومع الأحاديث الخمسة الأخرى.
6- الراجح من النصوص أن الروح تنفخ بعد اليوم التاسع والأربعين من يوم التلقيح.