الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد
لم تقتصر جهود المحدثين على توثيق المرويات وبيان حال الرواة جرحا وتعديلا بل بذلوا أيضا جهودا كبيرة في فهم هذه المرويات ،ودرء ما قد يكون بينها من تعارض بالجمع بينها ما أمكن أو الترجيح بينها بأحد المرجحات أو القول بالنسخ إن علم التاريخ.
وتبرز هاهنا علوم أربعة معينة على هذا الفهم، هي:
أ- علم مختلف الحديث :وهو علم يبحث عن الأحاديث التي ظاهرها التعارض من حيث إمكان الجمع بينها، إما بحمل المطلق على المقيد، أو بتخصيص العام..أو غير ذلك من أوجه الجمع، أو الترجيح بينهما إذا تعذر الجمع .ويسمى أيضا علم تلفيق الحديث أو علم مشكل الحديث.قال السيوطي: (هذا فن من أهم الأنواع ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف وهو أن يأتي حديثان متضادان في المعنى ظاهرا فيوفق بينهما أو يرجح أحدهما فيعمل به دون الآخر،وإنما يكمل له الأئمة الجامعون بين الحديث والفقه والأصوليون الغواصون على المعاني الدقيقة)[1].وللعلماء فيه مصنفات من أشهرها: (تأويل مختلف الحديث) لابن قتيبة (ت276هـ) و(مشكل الآثار) للطحاوي (ت321هـ).
ب- علم ناسخ الحديث ومنسوخه:وهو علم يبحث عن الأحاديث المتعارضة التي لا يمكن التوفيق بينها فيحكم على المتقدم منها بأنه منسوخ وعلى المتأخر منها بأنه ناسخ.وهو فن صعب ،روي عن الزهري أنه قال : (أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه)[2]. ويعرف النسخ بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بقول الصحابي، أو بمعرفة التاريخ، أو بدلالة الإجماع.ومن المصنفات في هذا العلم كتاب (الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار )لمحمد بن موسى الحازمي (ت 584هـ).
ج- علم أسباب ورود الحديث:وهو علم يهتم بتتبع الأسباب التي من أجلها ورد الحديث ،والأحوال والقرائن التي احتفت بذلك ، وقد يرد ذلك في الحديث نفسه، وقد يرد في بعض طرقه .ومن المصنفات فيه (البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف) لابن حمزة الحسيني (ت 1110هـ).
د- علم غريب الحديث: وهو علم يهتم بشرح الألفاظ الغريبة الواقعة في متون الأحاديث.وبدهي أن فهم الألفاظ الغريبة الواقعة في الحديث شرط ضروري لفهمه. ومن أهم المصنفات فيه: غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت223هـ)، والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزري (ت 606هـ).