قال الله تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ...). (التوبة:36)
ولم يكن التاريخ السنوي معمولا به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، ففي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته (سنة ست عشرة أو سبع عشرة من الهجرة) كتب إليه أبو موسى الأشعري : "إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ".
فجمع عمر الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم ، فيقال إن بعضهم قال: "أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملك أرخوا بولاية من بعده"، فكره الصاحبة ذلك، فقال بعضهم: "أرخوا بتاريخ الروم" فكرهوا ذلك أيضا، فقال بعضهم: "أرخوا من مولد النبي "؛ وقال آخرون: "من مبعثه" وقال آخرون: "من مهاجره"، فقال عمر: "الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة " واتفقوا على ذلك.
ثم تشاوروا، من أي شهر يبدئون السنة؟ فقال بعضهم: من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي مهاجرا إلى المدينة وقال بعضهم: من رمضان لأنه الشهر الذي نزل فيه القرآن واتفق رأي عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم على ترجيح البداءة بالمحرم لأنه شهر حرام ويلي ذي الحجة الذي فيه أداء الناس حجتهم الذي به تمام أركان الإسلام لأن الحج آخر ما فرض من الأركان الخمسة ثم أنه يلي الشهر الذي بايع فيه النبي الأنصار على الهجرة وتلك المبايعة من مقدمات الهجرة فكان أولى الشهور بالأولية شهر المحرم.
أما بالنسبة لتسميـة الشهـور، فالمحرم سمى المحرم لأن العرب كان يحرمون القتال فيه، وصفر سمي صفراً لأن العرب كان يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صفر المتاع ، وشهر ربيع الأول لأن العرب كانوا يرتبعون فيه أي لرعيهم فيه العشب فسمى ربيعاً، وجمادى لجمود الماء فيه، ورجب سمي رجباً لترجيبهم الرماح من الأسنة لأنها تنزع منها فلا يقاتلوا، وشعبان لأنه شعب بين رمضان ورجب، ورمضان لرموض الحر وشدة وقع الشمس فيه، وشوال لشولان النوق فيه بأذنابها إذا حملت، وذو القعدة سمي ذا القعدة لقعودهم في رحالهم عن الغزو لا يطلبون كلأًً ولا ميرة، وذو الحجة سمي ذا الحجة لأنهم يحجون فيه.
ومن أهمية اتخاذ كل مسلم السنة الهجرية تاريخا له هو تعلق العبادات من صيام (كصيام رمضان وست من شوال ويوم عرفة وعاشوراء) وحج بيت الله الحرام وغيرها من العبادات بالشهور والسنين التي تعرفها العرب, دون الشهور التي تعتبرها العجم والروم والقِبط، فلا يليق بالمسلمين أن يقدموا الشهور العجمية والرومية والقبطية على الشهور العربية. قال تعالى (يَسْـئَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ)[البقرة:189].
فالتاريخ اليومي يبدأ من غروب الشمس، والشهري يبدأ من الهلال والسنوي يبدأ من الهجرة. هذا ما جرى عليه المسلمون وعملوا به واعتبره الفقهاء في كتبهم في حلول آجال الديون وغيرها.