هاهي أيام رمضان قد انقضت ، ولياليه قد تولت، فلقد انقضى رمضان وانصرمت أيامه ولياليه، لقد ربح فيه الرابحون وخسر فيه الخاسرون، فهنيئاً لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً، ويا خيبة من ليس له من صومه إلا الجوع والعطش، وليس له من قيامه إلا السهر والتعب، هنيئاً للمقبولين، وجبر الله كسر المحرومين، وخفف مصاب المغبونين.
كان علي رضي الله عنه ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: يا ليت شعري! من هذا المقبول فنهنيه؟ ومن هذا المحروم فنعزيه؟ وكذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه.
فالحذر يا أخي أن تكون مثل امرأة مجنونة كانت بمكة، اسمها ريطة بنت سعد، كانت تغزل طول يومها غزلاً قويًا محكما ثم تنقضه أنكاثا، أي: تفسده بعد إحكامه، فقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل:92.
فربُّ رمضان هو ربٌّ شوال وسائر الشهور والأيام .. وفضل الله تبارك وتعالى واسع في سائر الأيام ، ويده سحاء لا تغيضها نفقة ، فأين الطلاب ؟ ورحمته واسعة ، ولكن أين التائبين المقبلين المنيبن ؟
ومواسم الخيرات والطاعات في سائر الشهور والأعوام ، فلا يصيبنك الشيطان في مقتل .. وإياك والنكوص عما كنت عليه في هذا الشهر المبارك
فعلينا أن نودع رمضان بالآتي:
أولاً: التوبة النصوح من جميع الذنوب والآثام.
ثانياً: العزم على أن يكون حالنا بعد رمضان أفضل من حالنا قبله، فقد خاب وخسر من عرف ربه في رمضان وجهله في غيره من الشهور، فإنه عبد سوء.
ثالثاً: أن نسأله سبحانه أن يبلغنا رمضان القادم وما بعده، قال بعض السلف: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان، ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبله منهم.
رابعاً مواصلة الجد والمثابرة على الطاعات والإكثار من القربات، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
- فنسأل المولى - تبارك وتعالى - أن بتقبل الصيام والقيام .. وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل .. إنه ولي ذلك والقادر عليه ..